الأربعاء، 24 أبريل 2013

رانيا مأمون ومحاولة اختراق الأسلاك الشائكة في رواية (ابن الشمس)


صلاح الدين سر الختم علي
رانيا مأمون كاتبة من مواليد ودمدني، صدرت لها مجموعة قصصية عن دار أزمنة للتوزيع والنشر بالعاصمة الأردنية عمان تحت عنوان (13 شهراً من إشراق الشمس) في العام 2009، وسبقتها روايتها (فلاش أخضر) عام 2006. في روايتها الجديدة (ابن الشمس) الصادرة عن دار العين للنشر بالقاهرة في هذا العام 2013، تخوض رانيا مأمون الروائية الشابة تجربة فريدة وغاية في الصعوبة، حيث تحاول اختراق عالم مسكون بالصمت من كل الجهات. صمت من يعيش فيه، وصمت من يجاورهم ويجهل حالهم، والصمت الرسمي المسدل عليه، فهو في حد ذاته وثيقة إدانة لا يوجد أي خط دفاع في مواجهتها. إنه عالم أبناء الشوارع أو من عرفوا باللهجة السودانية بـ(الشماشة) كنية عن كونهم لا يملكون بيوتاً دافئة لها أسقف تؤويهم وتقيهم وهج الشمس، الشماسة (بالسين) أو الشماشة (بالشين) هو الوجه الآخر للاسم الذي اختارته المؤلفة للرواية (ابن الشمس)، والشماسة هم خلاصة من خلاصات الحروب الأهلية والتدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان. هم ثمرة النهب المستمر للثروات وتكدسها في أيدي قلة مترفة تعيش حياة قصور السلاطين وترفهم ورفاهيتهم، وفي المقابل تفتك الأمراض والأوبئة بالسواد الأعظم من الشعب الذي يعاني معاناة لا تخطر علي بال أحد. الشماسة الذين يلتحفون الأرض حفاة جياعاً عراة حاملين كل الأوبئة والأمراض، هم وثيقة إدانة لكامل النظام الاجتماعي في السودان الذي تقف فيه قصور منيفة تطاول أعناقها عنان السماء، وتخطر في شوارعه المليئة بالحفر أفخم أنواع السيارات في ذات الوقت الذي تزداد فيه جيوش أبناء الشمس الحفاة العراة مجهولي الآباء ومعلوميهم الذين يقتاتون الفتات وبواقي الطعام، ويسكنون الخيران والشوارع، ويلبسون أسمالاً بالية وهم محرومون من كافة حقوقهم كبشر، فلا تعليم، ولا صحة، ولا غذاء، ولا كساء، ولا أسرة، ولا مأوي، لا شيء سوى أرض وسماء، وأقدام حافية تمارس التسكع والركض خوفاً من حملات الحكومة. إن الكتابة عن هؤلاء مخاطرة كبرى، فهم لا يتكلمون، ولا يتوقفون للحوار لأن جوعهم أكبر، وخوفهم أكبر، وهم لا يملكون ملكة كتابة، ولا يعرفون الكتابة في الغالب، ومن الصعب أن يُخترق عالمهم، لذلك تجئ الكتابة عنهم في الغالب كتابة من الخارج، انطباعات مسبقة، وتصورات غامضة، ويغلب الوصف أو التمثيل المثالي المجافي للحقيقة أو التصوير المبالغ فيه لذلك العالم وأهله. من الصعب جداً على الكاتب أن يسقط تجاربه الذاتية على عالمهم فهو في الغالب عالم يختلف عن العالم الذي خبره الكاتب، لذلك أظن اختيار رانيا مأمون للموضوع كان اختياراً شجاعاً ينم عن ثقة كبيرة في قدراتها ككاتبة، وينم كذلك عن جهد بذلته بوجه خاص لمحاولة اختراق ذلك العالم وسياجه الحديدي لرؤيته والكتابة عنه من الداخل كما فعلت في تجربتها التي تستحق الوقوف عندها. صحيح أنها ليست التجربة الأولى سودانياً ولا الأولى عربياً لمقاربة الموضوع، فهناك محاولات سابقة في السودان أبرزها محاولة القاص الزبير علي، وتحديداً قصة (البرميل) التي كتبت في الخمسينيات ونشرت بمجلة القصة السودانية عام 1960، ثم أعيد نشرها ضمن مجموعته القصصية (المقاعد الأمامية) في 1969، وهي القصة التي قارب فيها الزبير علي، عالم أبناء الشمس مبكراً جداً، مقاربة رائعة وإن كانت وصفاً خارجياً ومقابلة بين عالمين بعيون القاص أكثر منها بوعي أبناء الشمس أنفسهم، حيث صور مشهداً من حياة ثلاثة من أبناء الشمس في السوق الأفرنجي في الخرطوم وهم يتأملون فترينات المحلات، ثم يصورهم يتصارعون مع مجموعة أخرى من الصبية المتشردين حول محتويات برميل قمامة، ثم يركضون هاربين من مطاردة البوليس لهم متضامنين في وجه الشرطة عدوهم المشترك. وفي السبعينيات كتب محمد المهدي بشرى نصاً مستوحى من قصة حقيقية لقيت فيها مجموعة من الشماسة حتفهم بصورة مأساوية حين دهستهم شاحنة في قلب الخرطوم وهم نائمون، تغطيهم كراتين فارغة. ومن المؤكد أن هناك نصوصاً أخرى عالجت الموضوع وقاربت القضية، ولكن تبقى رواية ابن الشمس تقريباً، العمل الروائي السوداني الأول الذي قارب عالم الشماسة بتوسع تسمح به تقنية كتابة الرواية، أما عربياً فإن الموضوع مطروق كثيراً في تجارب إبداعية مختلفة لعل أبرزها رواية (الخبز الحافي) للمغربي محمد شكري، التي نشرت في 1972 وترجمت إلى 38 لغة والتي لامست عالم التشرد بجرأة جعلتها ممنوعة في بعض البلدان العربية. ويتميز العمل الروائي لرانيا مأمون بأنه تناول لحياة المشردين من الداخل وليس تصويراً لها من الخارج. بطل الرواية هو جمال، وهو من أبناء الشوارع، نتابع عبر الرواية مسيرة تشرده بأدق تفاصيلها حتى نهايته الفاجعة والطبيعية لأمثاله، جثة مجهولة في مشرحة تنتظر بلا جدوى من يأتي للتعرف عليها، فكأنما المجتمع الذي لفظه حياً ولم يمنحه حياة إلا على هامش الحياة، وأستكثر عليه أن يحب ويتزوج، عاد بعد موته وأستكثر عليه حقه في أن يدفن، فجعله جثة بلا هوية تقبع في ثلاجة لحفظ الموتى وربما تمسي مادة تعليمية لطلاب الطب. إنها قمة المأساة أن يلفظ الوطن جمالاً حياً وميتاً. أما الشخص الوحيد الذي تعاطف مع جمال فهو كرم، حارس المشرحة الذي يعيش هو الآخر على هامش الحياة، وأكثر قرباً للموتى الذين يحرسهم من قربه للأحياء. والرواية حافلة بشخصيات متعددة غنية ومرسومة بصورة جيدة، إبراهومة صديق جمال ورفيقه في رحلة التشرد، هو ابن شمس آخر يحاول أن يجد لنفسه مكاناً تحت الشمس، ويبتسم له الحظ نوعاً ما، حين يحب فتاة تنتمي إلى طبقة مسحوقة مثله، هي نبقة بنت حواية بائعة الشاي، وتنتهي قصته معها بزواج وإنجاب واندماج في الحياة من جديد بعد تشرد طويل رغم أنه كاد يدفع حياته ثمناً لذلك الحب حين غرر بالفتاة باسم الحب، وحبلت منه دون رباط شرعي. أما جمال فقد أحب ابنة رب العمل الثري، وكان نصيبه الطرد من العمل والعودة لحياة التشرد بعد المرور بالسجن والتعذيب لمجرد تفكيره في الاقتراب من طبقة أعلى، وفي النهاية يموت مقتولاً ولا تعترف السلطة حتى بكونه مات مقتولاً، ولا تشغل بالها بالتحقيق في مقتله فهو خارج حساباتها. هو عند السلطة مجرد متشرد تطاول على ولي نعمته ونظر إلى حيث لا ينبغي له أن ينظر.
اللغة في الرواية لغة جيدة تجمع بين الفصحى المعتمدة كلغة أساسية للنص، وبين العامية، وتحديداً مفردات الأطفال المتشردين (أبناء الشمس) التي يعج بها قاموسهم الخاص. يتم الانتقال بين العالمين بيسر، فالكاتبة اعتمدت الفصحى في السرد الوصفي والتداعي (الحوارات الداخلية) لأبطال الرواية، بينما قصرت مساحة قاموس العامية الخاصة بأبناء الشمس في المقاطع الحوارية فقط، وهي لم تحتل مساحة كبيرة في الرواية. صحيح أن القارئ المتعمق قد يشعر أحياناً بأن لغة التداعي والأفكار المعبر عنها هي لغة وأفكار أعلى من قدرات الشخصية المتداعية، وأقرب إلى أفكار الكاتبة منها إلي الشخصية الروائية، ولكن بشكل عام كان السرد ملتزماً بالموضوعية وعدم تدخل الكاتبة المباشر، وعموماً لا تقاس الأمور هنا بمقياس من الذهب، ففي الحياة الحقيقية نجد كثيراً من الأشخاص العاديين يملكون أفكاراً ولغة تتجاوز حدود الوضع الاجتماعي والثقافي لمثلهم، فلكل قاعدة استثناء، وهناك دوماً أشخاص نادرون ومتميزون، وهؤلاء في الغالب هم من يلفتون نظر الروائي والكاتب، لذلك أميل إلى القول بأن اللغة جاءت متسقة مع السياق الروائي.
المكان في الرواية يعتبر من أقوى النقاط التي يتميز بها العمل، المكان واضح ومحسوس بشكل مثالي، نكاد نشم رائحة مدينة ودمدني وشوارعها وأزقتها، ونسمع ضجيج المقاهي الصغيرة والمطاعم التي يتميز بها السوق الجديد أو (السوق الصغير) كما يسميه أهل المدينة لتمييزه عن السوق الكبير. يتميز السوق الجديد في مدني بأنه مستقر لأفراد الطبقات الفقيرة من عمال وحرفيين يعتمدون في رزقهم على ارتياد مقاهي السوق الجديد التي تشكل أماكن لعرض خدماتهم واصطيادهم بواسطة المقاولين والأفراد، وتشكل المقاهي والمطاعم المنتشرة هناك أماكن لتجمع العمال الذين يعملون في التجمعات العمالية الحكومية الكبيرة المنتشرة بالجزء الجنوبي من مدينة مدني، وهي تجمعات عمال المؤسسة الفرعية للحفريات، وعمال الإدارة المركزية للكهرباء والمياه، وعمال البحوث الزراعية، وهناك ورش الحرفيين المختلفة وعمال النقل والمواصلات من سائقين وتذكرجية وقومسنجية وغيرهم. هذه التجمعات لها امتدادات ثقافية ورياضية تنعكس على طبيعة تلك التجمعات، فتمسي المقاهي مكاناً لحوارات رياضية ساخنة، وأمكنة للقفشات والترويح عن النفس. نجحت رانيا مأمون في تصوير هذه البيئة تصويراً دقيقاً، وصورت موقع أبناء الشمس في هذه البيئة، يلجونها مشردين ينقبون عن الفضلات ويواجهون بالطرد، ومن ثم يلج بعضهم في تجارب العمل كصبية في المقاهي والمطاعم ليكتسب وجودهم بعض الشرعية التي تعطيهم أفضلية في نيل الفضلات ونيل قليل من النقود، ووضع قدم صغيرة في محاولة الاندماج في المجتمع الذي يلفظهم إلى الرصيف مجدداً. ترصد رانيا مأمون تلك المحاولات اليائسة والمتكررة لهؤلاء الصبية للخروج من جب التشرد واحتلال مكان في المجتمع، وترصد في المقابل تلك الأقدام الغليظة التي تسحقهم كالحشرات، وتدفعهم دفعاً إلى أعماق الجب من جديد. تلتزم رانيا مأمون خلال تسجيل رحلة محاولات الصعود والهبوط التزاماً صارماً بالمكان الذي يتيحه المجتمع لأبناء الشمس، وهو الشارع دوماً، هو الخور الذي تحتله مياه الخريف، وهو مكان العمل الضيق سواء كان مقهى أو مطعماً، وعندما حدث تطور يسير في ظروف ابن الشمس جمال ورفيقه إبراهومة، كانت لهما فرصة السكنى في بيت عزابة في حي فقير، تغير المكان ليصبح فيه سقف يؤوي وجيران لهم سكن مستقل يتم التواصل معهم. المكان كما نرى هو أشبه بسجن واحد له حدود مرسومة سلفاً، سواء كان عنبراً جماعياً كالخور، أو كان بيت عزابة يشبه حبساً انفرادياً. المكان لايزال له قضبان وحدود وحراس فضيلة. المكان الآخر في الرواية هو المشرحة حيث يحفظ الموتى في ثلاجات، هي زنزانة أخرى، كأن الرواية تقول إن أبناء الشمس يظلون في حياتهم أسرى لزنزانة حدد المجتمع طولها وعرضها، وحين يموتون تنتظرهم زنزانة أخرى محددة المواصفات. إن المكان في الرواية يتماهى مع موضوع الرواية، وهو الظلم الذي يتعرض له أبناء الشمس أحياءً وأمواتاً، فحين رفض رب عمل جمال اقتران ابنته به وطرده من العمل، حكم عليه ضمناً بالإعدام، وربما يكون ذلك المخدم وراء مقتل جمال الغامض الذي لم تعترف به السلطات وأسدلت عليه ستاراً من الصمت، فجمال ينتمي إلى أبناء الشمس وليست له أسرة أو قبيلة أو حزب أو جماعة تقف خلفه وتثير ضجة بشأن موته، لذلك يبقى ذلك الجمال الجميل حبيساً في ثلاجة موتى دون أن يكترث أحد به أو بمصيره. إن المجتمع لم يكتف بنفي جمال خارجه ورفض عودته داخل أسواره فحسب، بل أنكر عليه حقه في العمل وحقه في الحياة وحقه في الموت ورعاية حرمة جسده بعد الموت. إن ضيق الأمكنة وقلتها وبؤسها في الرواية هي تعبير مكثف عن ضيق المصائر وفرص الحياة الكريمة المتاحة أمام ابناء الشمس، وهم ضحايا أوضاع ليسوا مسؤولين عنها. 
الجرأة في التناول وطرح بعض القضايا سمة أخرى بارزة في هذه الرواية، ابتداءً من اختيار الموضوع والبيئة الخاصة به، حيث اختارت الكاتبة السباحة عكس التيار، واختارت أن تطرق دروباً موحشة، وأن ترتاد أمكنة تتقاطع بشكل حاد مع أنوثتها وما هو مطلوب منها، فالجرأة في طرح بعض القضايا المحروسة بالأشواك محظورة على الرجال في مجتمعاتنا، فكيف بها إذا جاءت من أنثى؟ إن كتابة رواية عن أطفال الشوارع تقود بالضرورة إلى الحديث عن المحيط الاجتماعي الفاسد الذي يجبر هؤلاء المتشردين على العيش فيه، وعن الأهوال التي تجابههم وصنوف الاستغلال الجنسي وغيره، وقد كانت الكاتبة جريئة في تصويرها لشخصية المعلم سالم الشاذ جنسياً واستغلاله لأحد أبناء الشمس لإرضاء شهوته المريضة، ومن ثم تخليه عنه بعد أن ألحق به عاهة مستديمة في حادث، وتكون نهاية ذلك المعلم صاحب القهوة، نهاية قاسية حيث يقتل بطريقة بشعة تشير إلى أنها عملية انتقامية نفذها أحد ضحاياه السابقين، وربما يكون ذلك الضحية هو أبوزيد الذي استغله بصورة بشعة ورماه عظماً. وفي هذه النهاية إشارة إلى أن العنف والاستغلال يولدان عنفاً مضاداً. وتصور الرواية بشكل بديع روح التضامن بين المسحوقين التي تتجلى في موقفهم من صديقهم إبراهومة، وكيف أنهم أنقذوه من ورطته بإكمال مراسم زواجه من البنت التي أغواها وكاد يقتل بسبب ذلك، وتصور الرواية كيف انتقلت الأم الشرسة في دفاعها عن شرف بنتها حد التهديد بالقتل إلى أم رحيمة وكريمة بعد تصحيح إبراهومة لغلطته وتزوجه بالفتاة. إن هذه المرأة المسحوقة لم تر في كون إبراهومة ابن شمس لا أصل معروفاً له ما يعيبه، بل كان ما يعيبه عندها هو الأخلاق؛ لأنه طعنها في ظهرها واعتدى على شرفها، ولكنه حين صحح خطأه قبلت به زوجاً لبنتها وصفحت عنه، خلافاً لموقف رب العمل المتغطرس الذي رأى في طلب جمال ابن الشمس الذي يعمل عنده ليد ابنته جريمة لا تغتفر، بل توجب منعه من العمل وسجنه وتعذيبه بواسطة شرطي فاسد، وربما قتله لاحقاً. إن الاختلاف في الموقفين يفضح كون الصراع صراعاً اجتماعياً وطبقياً. فحب جمال لناهد ابنة صاحب المطعم الثري الذي يعمل عنده تجسد علاقة الحب المرفوضة طبقياً، والمحكوم عليها بالإعدام بلا حيثيات ولا فرصة للطعن في القرار بأي طريق من طرق الطعن التي تعرفها العدالة الطبيعية. أما علاقة إبراهومة ابن الشمس بنبقة بنت حواية بائعة الشاي الفقيرة، فهي تجسيد لعلاقة الحب المرفوضة أخلاقياً والمقبولة طبقياً، فحين ثارت حواية وأرادت قتل إبراهومة بسبب اعتدائه على شرف بنتها ، كان منطلقها منطلقاً أخلاقياً بحتاً؛ فهي لم ترفض العلاقة وتحكم عليها بالموت من حيث المبدأ، بل رفضت الخيانة وعدم ممارسة الجنس تحت مظلة المشروعية، وحين تحققت المشروعية وبات إبراهومة زوجاً للبنت، قبلت الأم بذلك وصفحت عن الخطأ، فإذا قسنا القيم الأخلاقية الكامنة في الموقفين، نجد أن حواية أقرب إلى مكارم الأخلاق من صاحب المطعم الذي كان فاقداً لمكارم الأخلاق على طول الخط، فهو لا يستنكف عن محاربة جمال في لقمة عيشه، ولا يستنكف من طرده هو وصديقه من السكن رغم أن الأخير لم يرتكب جرماً إذا اعتبرنا طلب يد ابنته جريمة، ولم يستنكف الرجل أن يرشو الشرطي الفاسد ليعذب جمالاً ويعتقله. إنها مقارنات قاسية لا تنتهي بين عالمين وممثلي كل منهما. هذه المقارنة الفادحة الصامتة هي ما يميز هذا العمل ويعطيه حيوية وألقاً. إنها رواية المصائر المظلمة والضمائر الخربة، ولكنها لا تخلو من بصيص أمل نابت في الصخر، فنجاح إبراهومة في الخروج من الجب وصيرورته رب أسرة وإنجابه طفلاً هو في الحقيقة أمل وأفق تمنحه الرواية للمسحوقين أمثاله بأن من حقهم أن يحلموا بعالم سعيد، فليس بالضرورة خلف كل قيصر يموت قيصر جديد. كما أن النهاية القاسية للمعلم سالم هي كوة أمل أخرى تقول إن ثمة أمل دائماً في عدالة السماء التي لا تغيب أبداً، أما موت جمال فلعله مهر غال تدفعه الشعوب ثمناً للحرية. عوداً على بدء، تعتبر الرواية التي تقع في مئتين وواحد وسبعين صفحة من القطع المتوسط، عملاً فنياً متميزاً وجديراً بالقراءة .
المراجع:
1/ ابن الشمس / رواية/ رانيا مأمون/ دار العين للنشر الطبعة الأولى 2013
2/ المقاعد الأمامية/ مجموعة قصصية/ الزبير علي الطابع / دار البلد / 1999 الطبعة الثانية
3
/ الخبز الحافي/ محمد شكري/ رواية
جريدة الصحافة -  23أبريل 2013   العدد:7067 الملف الثقافي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق