الاثنين، 31 ديسمبر 2012

حوار: المجلة الثقافية الجزائرية



كاتبة سودانية واثقة من نفسها، رغم أن اقتحامها لعالم الكتابة لا يتجاوز رواية ومجموعة قصصية واحدة ومجموعة من النصوص على الشبكة العنكبوتية إلا أنها لفتت انتباه النقاد منذ باكورتها "فلاش أخضر" الصادرة عن الشركة العالمية للطباعة، والتي كانت "بداية قوية لروائية شابة" كما أجمع العديد من النقاد.. رانيا مأمون تفتح قلبها للمجلة الثقافية الجزائرية وتتكلم عن نفسها وعن المثقف في السودان، وعن المبدعة السودانية التي تبحث عن مكان لها تحت الشمس في ظروف استثنائية يعيشها السودان، والوطن العربي ككل.. *
·       لو طلبت من رانيا مأمون أن تقدم نفسها لقراء المجلة الثقافية، ماذا ستقول؟
كاتبة من جيل الكتاب الشباب في السودان، صدر لي كتابان (فلاش اخضر) رواية 2006 و(13 شهراً من إشراق الشمس) – قصص 2009، إضافة لمشاركات مع كتاب آخرين في ثلاثة كتب بالعربية والإنجليزية والفرنسية.
·       أنت قاصة وروائية سودانية أيضا.. دعيني أسألك عن ماهية الكتابة بالنسبة إليك؟
تعني الكتابة بالنسبة أن أكون، أن أدّلل على عبوري بهذه الأرض وتحت هذه السماء وفي هذا الوقت الذي أنا أحيا فيه الآن. الكتابة هي عشقي العصيّ أحياناً، والمشاغب أحياناً أخرى وسارق الوقت في كثير من الأحيان. الكتابة صديقتي ورفيقتي وهي فرحي وسعادتي، عندما أكون في حالة كتابة أو عندما أنتهي منها، أشعر بالخِفة والحبور، وأشعر بأنني أحقق وجودي وذاتي، إنها شغفي الأبدي.
·       لعل ما يبدو جليا هو ظهور رواية سودانية جديدة في السنوات الماضية أعادت بعض النبض الجديد لسودان الطيب صالح، حدثينا عن المشهد الأدبي في بلدك؟
المشهد الأدبي في السودان غني ويزداد غنىً باستمرار، فهو في حالة رفد متواصل بأسماء جديدة وتجارب جديدة وكتاب جيدون، نعاني من حركة جماعية في تطوير هذا المشهد، فالتطور على المستوى الفردي الشخصي يفوق كثيراً الحركة العامة أو النشاط الأدبي والثقافي بفعالياته المختلفة، فهنا حركة العمل الثقافي بطيئة سواء كانت الرسمية أو حتى تلك التي تنظمها منظمات المجتمع المدني على اختلافها، فضلاً على أنها منقطعة غير متصلة وغير راتبة إلا القليل، ولكن كجهود فردية هناك عمل على التجارب الشخصية وعمل كمجموعات أصدقاء صغيرة تتلاقح وتتناقش وتقرأ لبعضها البعض وتنفتح على الآخر ثقافة وتثاقفاً.
·       وكيف تفسرين أن الرواية السودانية غائبة عن المشهد العربي خارج حضور مؤسسها "الطيب صالح"..؟
الأسباب شتى، أولها الإعلام سواء كان المحلي السوداني أو العربي الذي لا يعرف سواء الطيب صالح والذي ينظر للسودان باعتباره بلد هامش ثقافي لا يمكنه أن يأتي بمثل الطيب صالح، والطيب صالح اسم كبير وكاتب كبير نفتخر به جميعاً، ولكن هناك غيره سواء كُتاب قبله لم يجدوا حظهم من القراءة والانتشار، ومجايليه وأيضاً بعده جاء الكثيرون، لكن الإشكال في أن هؤلاء لم يُعرفوا إعلامياً خارج السودان.
ومن الأسباب أيضاً عملية النشر والتوزيع فرغم أن دور النشر السودانية تشترك بمعارض كتب عربية وإقليمية إلا أن توزيعها للكتاب ضعيف ويقتصر هذا التوزيع على مكتبات الخرطوم ومدن قليلة أخرى، ناهيك عن مشاكل الطباعة وجودتها.
وكذا مما أسهم في غياب الرواية السودانية لفترة طويلة في المشهد العربي دور المؤسسة الرسمية هنا التي لا تعني بالثقافة والأدب ولا تهتم به ربما هناك قضايا أهم في اعتبارها من الثقافة والأدب.
والسبب الأخير في رأيي هو الكاتب نفسه الذي لا يقِّدم نفسه ويسوِّق لنفسه وذلك مرده إلى الطبيعة الصوفية المتواضعة الحييَّة التي تسير بالبركة والتي تتحلّى بها الشخصية السودانية على العموم، والتي تميل إلى النأي بنفسها من الاختراق وعرض ما لديها من إبداع، وتلاحظ هذا حتى لدى الطيب صالح نفسه، لكن هناك بعض الكتاب والمثقفين الذين خرجوا من هذه الدائرة وساعدتهم ظروفهم في الاختراق مثل طارق الطيب وأمير تاج السر وليلى أبو العلا وجمال محجوب ببريطانيا وأحمد الملك بهولندا وإشراقة مصطفى بالنمسا وغيرهم كُثر من الذين استطاعوا أن يكسروا عزلة المبدع السوداني ويخترقوا الأوساط الأدبية، ليس في العالم العربي فقط ولكن الأوروبي والأمريكي، وتمكنوا من التفاعل مع الحراك العام والإضافة للمنجز الأدبي في تلك البلدان سواء من كتبوا بالعربية أو باللغات الأخرى.
·       لعل ما أقصده بشكل خاص هو أن الحديث عن الأدب السوداني صار منحصرا في أسماء قليلة بعينها؟ لماذا؟
لأن الإعلام لا ينقِّب عن  تلك الأسماء التي تكتوي بنيران الكتابة والإبداع ولكنها لا تعرف طريقها لاستوديوهات الإذاعات والتلفزيونات، السودان بلد غني، غني إبداعياً ولكن إعلامنا لا يعرف كيف يوظِّف هذا الغنى ويُخرجه بشكلٍ لائق وجاذب، وكذا لا يفعل الإعلام في الدول العربية. لا أريد أن أضع اللوم على جهة بعينها ولكن الأسباب متباينة كما أسلفت وجميعها يتحمل جزءاً من مسؤولية عدم انتشار الكاتب السوداني بشكل يتناسب مع إبداعه وتجاربه وتفرده. لقد قابلتُ في الأيام القليلة الماضية شباب واع ناضج مثقف ثقافة عالية ولكنه لم يبحث عن درب الشهرة والانتشار، إنما يعمل بعيداً منزوياً ضمن إطار محدود يبدأ بمنتديات في البيوت وفي بعض بيوتات الثقافة والفنون بالخرطوم يقرؤون الشعر ويتحاورون ويغنون ويعزفون الموسيقى، وبعضهم يكتب في منتديات الإنترنت لا أكثر. أطربوني فعلاً هؤلاء الشباب وأثبتوا لي بأن السودان ثري ويختزن الكثير الكثير من الإبداع والمبدعين.
·       في روايتك التي اطلعت عليها قبل عامين" فلاش أخضر" بدت لي رانيا مأمون وكأنها تعيد رسم المجتمع السوداني بطريقة مغايرة عما فعله كتاب آخرون.. هل تشعرين أن العالم العربي لم يفهم السودان بشكل حقيقي؟
السودان ظلَّ دوماً مجهولا بالنسبة للقاريء في العالم العربي، حتى المثقفين لا يعرفون سوى القليل عن السودان وثقافته، إلا من كانت تربطه علاقات صداقة متينة مع كتاب ومثقفين سودانيين. العالم العربي بدأ يلتفت للسودان مؤخراً وهذا بتأثير كبير من الاضطرابات والحروب والقضايا السياسية، وليس لأنه يريد أن يكتشف ويتعرف على ثقافته وتأريخه وفنونه ومجتمعه وإنسانه، فرضت المشاكل السياسية الداخلية على الإنسان في العالم العربي والعالم أجمع أن يسمع اسم السودان أكثر من مرة في نشرات الأخبار، مما حرّك الفضول لدى البعض لاكتشاف هذا البلد الذي ظل منسيا فترة طويلة. لذا والوضع كهذا من محصلاته أن لا يعرف العالم العربي السودان، وأن يندهش مما يأتي به كاتب سوداني أو فنان أو تشكيلي وكأن الفرد يلتفت بدهشة فيقول القائل: أين كان كل هذا؟!
 كان موجوداً ولكنه ظل متوارياً؛ لأن التركيز كان منصباً في نتاج دول أخرى تعتبر مراكز ثقافية في الخارطة العربية.
·       لعل ما يبدو ملفتا في نصوصك هو تلك الرغبة في التغيير التي تسيطر على أبطالك رافضيين الكسل، والتزمت، والاستسلام للأمر الواقع.. هل تشعرين أن الكتابة تعوّض خسائر الإنسان الراهنة في واقع يتحرك أحيانا بشكل مغاير للمطلوب؟
نعم؛ فنحن نكتب ما نتمناه، ما نحلم به ويشغلنا، ما نفتقده على الأرض نخلقه في المخيلة ونعيش معه داخل السطور وفي ثنايا الحكايا. أنت ترى أن التغيير الآن أصبح هو المطلب رقم واحد خاصة في العالم العربي، التغيير سُنة من سنن الحياة، وهي ما تخلق للواقع حيويته وتجبره على التحرك من خانة إلى أخرى وتدفعه للتقدم والاستمرارية. ما يحدث الآن هو موجة من الرفض، رفض ما سكن قابعاً فترات طويلة دون تغيير، الرفض يدفع للتغيير والتغيير يدفع لبعث الحياة في مفاصل الواقع. الكتابة عن التغيير وعن الرفض هي مخرج لما يعتمل في داخل الكاتب وهي أحلامه التي يتمنى أن يراها مُحققة وربما هي تنبؤ وتحريض للفعل المغاير لحركة سير الواقع القائم.
·       مع ذلك لا تبدين معنية بالمطالب التي تأكل أظافر كاتبات أخريات، كالحرية والجسد الخ، هل تشعرين أنك معنية بقضايا أهم من الجسد مثلا؟
إنني اشتغل على الإنسان وقضاياه الإنسانية في إطارها الواسع، الجسد أحد هذه القضايا ولكن لا تستهويني الكتابة عنه لذاته تفصيلاً وقصداً، إن جاء ضمن ثنايا النص ليخدم الغرض الفني ويغني النّص أكتبه ـ كما هو حادث في روايتي الجديدة ـ لكن ليس بحسيِّة مبتذلة.  
أجدني معنية بالكتابة التي تتأتي من انفعال الكاتب بواقعه والحراك العام، بمجتمعه وإنسانه، بتفاعله مع هذا الواقع ومماحكته له، فتأتي الكتابة عن الآخر والخارج تحقيقاً لهذا التفاعل والانفعال والتأثر، وهي غير تلك الكتابة المُغرقة في الذاتية، التي تجعل الذات الكاتبة موضوعاً للكتابة ومسرحاً لها.
الحرية، من منا لا يبحث عن الحرية ولا يطلبها ويتمناها، سواء كان كاتباً أو كاتبة أو فناناً أو عاملاً أو موظفاً أو إنساناً بسيطاً، حتى الأطفال يبحثون عن فسحة للانفلات والحرية، بل حتى الساعين للموت انتحاراً هم يبحثون عن الحرية، روح الإنسان حُرة بالأساس. "نور" في رواية (فلاش أخضر) تبحث عن الحرية من القيود الاجتماعية المفروضة عليها والتي حالت بينها وبين من تحب. جميعنا يبحث عن الحرية سواء ذاك السائر في رحلة حياة بسيطة وعادية، أو من يجسدها في منتوج أدبي أو فني إبداعي.
·       وكيف تفسرين أن الرواية الأيروتيكية هي الأكثر انتشارا في الوطن العربي، على حساب أعمال روائية تظل على الرف لأن لا احد يشتريها؟
الناسُ تحب الإثارة وتحب ما يحرك عواطفها، سواء كان ذلك إثارة جنسية أو انفعالية، انظر لعدد متابعي مباراة كرة قدم وكيف يهتاجون وينفعلون، انظر لمتابعي مباريات المصارعة والملاكمة ودون استكناه تجد مشاعرهم ظاهرة وواضحة على وجههم وحركاتهم. وقارن بين عدد هؤلاء وغيرهم وأولئك الذين يحضرون لقراءة شعرية أو ندوة فكرية. الناس تحب ما يثيرها وتبتعد عمّا يجعلها تفكر وتستبصر، تبتعد عما تظنه باعثاً على الكآبة والهم والغم، ولكنه غير كذلك بالضرورة، تريد الخفَّة والسرعة وتبتعد عن الجدية والفكر المتعمق الرّصين، هذا ما أراه بواقع انتشار الكتب الإيروتيكية، في حين تكون بقربها كتب رصينة وجادة وكُتبت بأدبية وفنية عالية، أو كتب فكرية عميقة ومتعمقة تقعى لسنوات في مكانها في الرفوف.
·       دعيني أسألك عن الكتابة النسائية في السودان، حدثينا عنها ومن هن ما يميزها عن زميلاتها الأديبات في الوطن العربي، وكيف تقرأ رانيا مأمون زملائها الكتاب في السودان بشكل خاص، وفي الوطن العربي بشكل عام؟
الكتابة النسائية في السودان تختلف عن مثيلتها في الوطن العربي، وهذا عائد إلى خصوصية السودان وتركيبته الاجتماعية والجغرافية والتباين الإثني والثقافي والعقائدي، حتى العادات تختلف من منطقة إلى أخرى، كل هذا يضيف بعداً آخر ويشكل تميزاً لما يُنتج من أدب من واقع كهذا سواء كان لكاتبات أو كتاب. في السودان كاتبات مُجيدات من مختلف الأجيال، شاعرات وروائيات وقاصات وتشكليات وفنانات، من جيلي تجد ستيلا قايتانو قاصة مُجيدة، نجلاء التوم، سارة الجاك، أميمة عبد الله، سارة فضل، ومن جيل سابق بقليل تجد إشراقة حامد، ليلى أبو العلا تكتب بالإنجليزية، بثينة خضر مكي، ومن جيل أسبق ملكة الفاضل، ملكة الدار محمد وزينب بليل وغيرهن الكثيرات والفاعلات في كل ضروب الإبداع وكل مناحي الحياة.
اقرأهم بمحبة وبحس نقدي وأرى أن فعل الكتابة في السودان بخير ولكنه يحتاج لجهد كبير ليُقرأ على مستوى واسع داخلياً وخارجياً.
 لا يمكنني أن أحكم على كل ما يكتب لأني بالطبع لم اطلع على كل ما يُكتب عربياً ولا حتى ربعه، لكن مما أقرأ هناك الجيد الرّصين وهناك غيره وهذا شيء طبيعي.
·       هذا يقودني إلى سؤالك عن مدى اقترابك من الأدب الجزائري، ومن من الأسماء الأدبية (من الجنسين) التي تلفت انتباهك؟
علاقتي بالأدب الجزائري بدأت بالطبع بواسيني الأعرج، الطاهر وطار، مالك حداد قرأته في مرحلة مبكرة في (رصيف الأزهار لا يجيب)، مروراً بأحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق، وتلفتني أيضاً ياسمينة صالح والشاعرة الشابة النشطة حبيبة العلوي والعديد من القراءات لكتابٍ على الإنترنت.
·       ماذا تقرأين حاليا؟
كتاب نقدي للناقد  السوداني عبد المنعم عجب الفيا  بعنوان: (في الأدب السوداني الحديث)، وهو أحد ثلاثة كتب نقدية صدرت مؤخراً للناقد عجب الفيا هي: (في عوالم الطيب صالح)، (تي اس إليوت والأدب العربي - قراءة في التأثير والتأثر).
·       ماذا تكتبين؟
رواية جديدة أتمنى أن تنتهي قريباً.
·       كلمة لقراء مجلتنا؟
لهم التحية والتقدير ولكَ كذلك.

·       حوار مع المجلة الثقافية الجزائرية – الجزائر، 11 مايو 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق